كتب: ريان التوني 

التغيرات المناخية ونتائجها قضية تؤرق العالم، فحجم الأضرار التي يشعر بها سكان الكوكب الآن باتت واضحة، والسيناريوهات المتوقعة للاضطرابات المناخية العنيفة هي أيضا باتت محسوسة أكثر من أي وقت مضى. ولكن هل تأثيرات الاضطرابات وواقعها على حياة الناس على كوكب الأرض متساوية؟ الإجابة الحاسمة على هذا السؤال: لا. فالأسباب التي تجعل آثار التغيرات المناخية على الناس سلبية، ليست مرهونة بالطبيعة وتغيراتها فقط. فالسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يعيش فيه سكان الكوكب يلعب دورًا محوريًا في حجم الأضرار ونتائجها وكيفية معالجتها.

المجموعات السكانية التي تعيش في سياقات من الفقر والتمييز وعدم المساواة وغياب التمكين هي الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية. فالأعراف والثقافة المجتمعية التي لعبت دورًا أساسيًا في تحديد المكانة الاجتماعية للأفراد والمجموعات عبر تاريخ طويل من الصراع الاجتماعي، كان لأصحاب السلطة والاستحقاق المكانة الأولى في رسم هيكل المجتمعات على المستويين الاقتصادي والسياسي، وبالضرورة قدرة الأفراد والمجتمعات على الوصول إلى المميزات والإمكانيات التي تساهم في تكوين قدراتهم وإمكانياتهم وتطورهم، تلك العناصر مجتمعة تشكل الأفراد داخل المجتمع وتمكنهم/ن من الأدوات والمهارات اللازمة من أجل المواجهة والصمود.

المواجهة والتكيف مع التغيرات المناخية:

التكيف مع التغيرات المناخية ومواجهتها مرهون بمدى تمكين الأفراد والجماعات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. ومدى تمكينهم/ن من الأدوات التي تعزز من قدراتهم/ن على الأربع مستويات. فكلما كانت فرص تعزيز قدراتهم/ن على هذه المستويات أقل، كلما كانت التغيرات المناخية أكثر تأثيرًا على حياتهم/ن. فالمجموعات الضعيفة والمهمشة هي الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية.

ومن بين تلك المجموعات تأتي في المقام الأول النساء والأقليات الجنسية، فهم من أكثر المجموعات السكانية حول العالم التي تعاني من معوقات مختلفة تضعف من قدراتهم على التكيف مع التغيرات المناخية.

المسئوليات والأدوار الاجتماعية التي تتحكم فيها الأعراف والثقافة المجتمعية، تبنى بشكل أساسي على الجنس وما ينتج عنه من تراتبية واستحقاق طرف على الآخر. فهيمنة التوجهات الذكورية على مفردات الحياة، هي المحرك الأساسي للإجراءات والتدابير المتبعة على المستوى التشريعي والخدمات والحقوق المعترف بها لتلك المجموعات، ومدى قدرة تلك المجموعات الأقل تمثيلًا على الوصول إلى حقوقهم/ن، خاصةً على مستوى الخدمات، مثل: الصحة، السكن، التعليم، العمل، المشاركة في الحياة العامة، إلخ..

الأقليات الجنسية في مواجهة التغيرات المناخية:

بناءً على نتائج الفريق الحكومي المعني بتغير المناخ (IPCC) فإن الأقليات الجنسية من بين الفئات الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية. فالأعراف والثقافة الاجتماعية التي تمارس النبذ والإقصاء في العديد من المجتمعات ذات الطابع الشمولي الذي يمارس الوصم والتمييز والكراهية ضد الأقليات الجنسية، ما يؤثر بشكل أساسي على مدى قدرتهم/ن على الوصول إلى حقوقهم المشروعة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكذلك السياسية.

ولكن من هم الأقليات الجنسية؟ ولماذا هم أكثر الفئات تضرراً؟ الأقليات الجنسية: هي مجموعة متنوعة من الهويات الجنسية والجندرية والتعبيرات ذات البعد الاجتماعي والجسدي والنفسي التي تختلف عن المعايير الثقافية السائدة في المجتمع. ونتيجة التنوع الكبير في التعبير والهويات الجنسية والجندرية، ففي العادة يعتبر المثليين والمثليات، العابرين والعابرات، مزدوجي الميل الجنسي، تعبير عن طيف واسع من المنتمين للأقليات الجنسية.

الآثار التراكمية للوصمة الاجتماعي للأقليات الجنسية:

وبناءً على هذا التعريف فالسياقات الاجتماعية التي تعيش فيها الأقليات الجنسية تجعلهم/ن عرضة بشكل فريد للإقصاء والعنف والاستغلال؛ بسبب الآثار التراكمية للوصمة الاجتماعية والتمييز والكراهية. كما أن وصمة العار الاجتماعية حول مجتمع الميم تجعل العديد من الفرص الاجتماعية والبنية التحتية غير متاحة لهم/ن.

يتعرض أفراد مجتمع الميم أو الأقليات الجنسية للتشرد؛ لأنهم غالبًا ما يُجبرون على مغادرة منازلهم بسبب الصراع مع الأسرة أو العنف أو التهديد بالعنف أو الإساءة. كما تؤدي الظروف الاقتصادية والمادية غير المستقرة التي غالبًا ما تؤثر على الأشخاص الذين بلا مأوى، فتدفع أفراد مجتمع الميم إلى اختيار العمل بالجنس والتسول، على الرغم من خطر الملاحقة الجنائية. كوسيلة لتلبية احتياجاتهم/ن الأساسية. وهذا يعرضهم/ن لمزيد من العداء والانتهاكات من قبل الشرطة والسلطات أو يجعل من الصعب الوصول إلى الخدمات الحكومية.

“يجب ألا يتخلف أحد عن الركب ” شعار رفعته الأمم المتحدة من أجل إنهاء العنف والتمييز، كأحد المبادئ الأساسية لتحقيق التنمية الخضراء والمستدامة في كافة المجالات، لمواجهة التغيرات المناخية. لكن تظل الأقليات الجنسية كمجموعات مهمشة ليس لديها تمثيل حقيقي فيما يتعلق بالتدابير وإجراءات الحماية والتمكين من أجل مواجهة التغيرات المناخية والتكيف معها. تلك الأوضاع تضع حياة الأقليات الجنسية على المحك في ظل التغيرات المناخية.

كانت أزمة تفشي وباء كوفيد 19 كاشفة عن هشاشة الأنظمة في العديد من المجالات على مستويات: الصحة، العمل، التعليم، السكن. تلك الهشاشة دفعت خلالها الأقليات الجنسية ثمنًا باهظًا، وكانت مؤشرًا باعثًا للقلق على مستوى ضمان تمكين الأقليات الجنسية من الحق في الحياة على مستوى العالم، خاصةً في ظل التغيرات المناخية وتداعياتها.

خطاب الكراهية والإقصاء: 

كلما كانت الأزمات الاجتماعية أو الكوارث الطبيعية شديدة التأثير، تبقى حياة الأقليات بشكل عام على المحك.  باعتبارهم فئات مهمشة غير ممثلة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي وكذلك المستوى السياسي. وتصبح الأزمة مضاعفة عند الحديث عن الأقليات الجنسية.

أشار تقرير “برنامج الحق والمساواة في المواطنة” الصادر عن الإتحاد الاوروبي، إلى أن السنوات الأخيرة شهدت صعود اليمين المعادي للأقليات الجنسية، وارتفعت وتيرة الخطاب السياسي والإعلامي الذي يحض على “الكراهية والعنف” من قبل قيادات سياسية ودينية ضد الأقليات الجنسية. فقد شهدت 12 دولة في أوروبا وآسيا الوسطى وفي العديد من البلدان على مستوى العالم استغلال لأزمة “كوفيد 19 ” من أجل رفع وتيرة الكراهية والإقصاء للأقليات الجنسية في المجال العام.

خطابات القادة أشارت إلى أن الأقليات الجنسية هم السبب المباشر في جائحة كوفيد 19 وانتشارها. ففي بلغاريا نُشرت أخبار متعلقة بتصريحات الرئيس التركي أردوغان، الذي ألقى اللوم على مجتمع الميم في انتشار وتفشي الجائحة. هذه التصريحات قوبلت بموجة من التأييد من قبل العديد من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد انتهاء الإغلاق ارتفعت وتيرة العنف في الشارع البلغاري.

وفي أوغندا، بعد إعلان السلطات قرار إغلاق المرافق، العامة قامت الشرطة وبعض من المواطنين باحتجاز أفراد من مجتمع الميم في ملاجئ ومنازل خاصة، وتم التعدي عليهم بالضرب والطرد، وإلقاء القبض على أعدادٍ منهم، حيث تم اتهامهم/ن بالقيام بأعمال من المرجح أن تنشر الجائحة.

كما أكدت الأمم المتحدة في تقريرها “العنف والتمييز القائمين على الميل الجنسي والهوية الجندرية” أن الإغلاق أدي إلى ارتفاع وتيرة العنف والإساءة من قبل الشرطة في آسيا أثناء عمليات التفتيش أو الاعتقال بشكل انتقائي. حيث أجبرت نساء مغايرات الجنس على تصوير مقاطع فيديو يصرخن فيها مطالبات أن يكن رجال. كما أُجبر الرجال أيضا على تصوير مقاطع فيديو يقبل فيها بعضهم البعض، بالإضافة إلى الرقص وبثها على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التحريض عليهم/ن.

كما ارتفعت أشكال التجريم السلوكي لمجتمع الميم-عين في أغلب بلدان العالم أثناء الإغلاق، حيث تعرضوا/ن إلى العنف في المجال العام والاحتجاز من قبل الشرطة واتهامهم/ن باتهامات غير قانونية مثل: وضع المكياج أو ارتداء ملابس نسائية، بالرغم من أن القوانين المحلية لا تجرم وضع مساحيق التجميل ولا تفرض ارتداء الملابس على حسب الهوية الجندرية.

تكافؤ الفرص وغياب المساواة:

تعتبر الأقليات الجنسية منتمية إلى العمالة غير المنتظمة، حيث يتوافر لها فرص من الوظائف التي تتميز بالهشاشة وعدم الاستدامة، نتيجة النبذ والإقصاء الاجتماعي الممارس ضدهم. وللأسف الشديد ما يزيد الوضع سوءًا أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل، وكذلك القوانين المحلية المنظمة له، جميعًا لا يتم الإشارة فيها إلى الأقليات الجنسية، خاصةً في باب التعريفات المتعلقة بالجنس والمساواة ما بين الجنسين في فرص العمل. الأمر الذي يقصي الأقليات الجنسية من حقوقهم/ن المشروعة في التوظيف، سواء على مستوى القطاع العام أو القطاع الخاص أو القطاع الإداري التابع للسلطة التنفيذية.

وكذلك وضع العراقيل على المستويين القانوني والاجتماعي أمام محاولاتهم/ن إدارة مشروعاتهم الخاصة الصغيرة، بالإضافة إلى إعطاء الفرصة للسلطات أو مجالس إدارات العمل لفصلهم/ن نتيجة لميولهم/ن أو هويتهم/ن الجنسية. ولا يمكن أن نتجاهل بيئة العمل للعاملة غير منتظمة والتي تفتقر إلى معايير الصحة والسلامة المهنية، كما تزيد من فرص الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمل في بيئة يتحكم فيها الهواء الملوث. وهو الوضع الذي يساهم في المزيد من الإفقار للأقليات الجنسية ويساهم في ارتفاع معدلات العنف الممارس ضدهن ويضع العراقيل أمام فرص تمكينهم/ن على المستوى الاقتصادي لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية.

الوضع لا يختلف كثيرًا إذا تحدثنا عن فرص التعليم والتدريب للأقليات الجنسية. فالتحديات التي تواجه التعليم خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كثيرة ومتعددة، أبرزها غياب محاولات تضمين التثقيف الجنسي الشامل بالمناهج التعليمية في المراحل المختلفة. الأمر الذي يساهم بشكل عام في المزيد من العنف المبني على النوع الاجتماعي واتساع الفجوة ما بين الجنسين. كما يزيد من أزمة الأقليات الجنسية بشكل خاص، فالمثليين والمثليات يتعرضوا/ن للعنف داخل المؤسسات التعليمية والذي يصل إلى حد حرمانهم/ن من الاستمرار في الفصول الدراسية إذا تم اكتشاف ميولهم/ن الجنسية أو تم الإعلان عنها. كما يُحرم العابرون والعابرات جنسيًا من الانتظام في المراحل الدراسية المختلفة إذا أعلنوا/ن عن هويتهم الجندرية. بالإضافة إلى التعنت الشديد الذي تمارسه السلطات عندما تمنع العابرين والعابرات من حصولهم/ن على الأوراق الثبوتية من أجل الاستمرار في التعليم، وكذلك توثيق ما حصلوا/ن عليه من شهادات دراسية سابقة.

الأوضاع السابقة تساهم بشكل مباشر في محدودية فرص استمرارهم/ن في التعليم والتدريب، وتضع جدارًا فاصلًا بينهم وبين المعلومات التي يمكن أن يحصلوا/ن عليها فيما يتعلق بالتغيرات المناخية وتداعياتها وكيفية التكيف معها ومواجهتها. فتحقيق العدالة المناخية مرتبط ارتباط وثيق بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للفئات المهمشة والضعيفة، التي تعاني من غياب التمثيل فيما يتعلق بالسياسات والتدابير التي يتم طرحها، سواء من جانب المؤسسات المحلية أو الدولية، وكذلك السياسات التي يتم طرحها ونقاشها على مستوى القيادات السياسية في العالم خلال مؤتمرات المتعلقة بالمناخ.

* الصورة لـ rappler.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X