الفصل الأول-الجزء الثاني
تفترض عقيدة الوردي والأزرق تلك أن البيولوجيا هي التي توجه مصيرنا الاجتماعي. لقد تعلمنا أن الولادة، كأنثى أو ذكر، ستحدد كيف سنلبس ونمشي، سواء كنا نفضل شعرنا قصيرًا أم طويلًا ومنسدلًا، سواء كنا سنرُعى عاطفيًا أو نقمع. وفقًا لطريقة التفكير هذه، تحاول الإناث ذات الصفات الذكورية أن تبدو “مثل الرجال”، بينما يحاول الرجال ذو الصفات الأنثوية أن يتصرفوا “مثل النساء”. لكن أولئك الذين يتعدون على هذه الافتراضات الجندرية يحطمون عدم مرونتهم أيضًا.
فلماذا أصف نفسي أحيانًا بأنني أنثى ذات صفات ذكورية؟ أليس كل من هذه المفاهيم مقيدًا جدًا؟ نعم. لكن وضع الكلمتين معًا مثيرًا للقلق، الأمر الذي يؤدي إلى تفجير الاعتقاد بأن التعبير الجنسي مرتبط بالجنس عند الولادة مثل الحصان والعربة. إنه التناقض الاجتماعي المفقود من كتاب “ديك وجين” التعليمي. في الواقع، أنا انزعج من وصف نفسي بأنني رجل. لسبب واحد، الذكورة هي مساحة شاسعة تشمل حدود الجنسية والعرق والطبقة. والأهم من ذلك، أن الأفراد يشقون مساراتهم الخاصة عبر هذا المشهد.
ويصعب عليّ تصنيف المصفوفة المعقدة لنوعي الاجتماعي على أنها ذكورية ببساطة. بالنسبة لي، فإن وصف تعبير الفرد عن الذات على أنه مجرد أنثوي أو ذكوري يشبه سؤال الشعراء: هل تكتب بالإنجليزية أو الإسبانية؟ يستبعد السؤال احتمالات أن يكون الشعر منسوجًا باللغة الكانتونية أو اللاتينية أو السواحيلية أو العربية. فالسؤال يتعامل فقط مع نظام اللغة الذي تعلمه الشاعر. حيث يتجاهل الكلمات التي يجتذبها كل كاتب من مصدر مشترك. تُصنع كلمات الموسيقى عندما توضع بجانب بعضها البعض لأول مرة. يتردد صدى الصمت في الفراغ بين الأفكار. رياح الشغف والاعتقاد القوي التي تحرك الشاعر للكتابة.
هذا هو السبب في أنني لا أعتبر أن الجندر هو مجرد بناء اجتماعي أو واحدة من لغتين نتعلمهما عن طريق الحفظ عن ظهر قلب منذ سن مبكرة. بالنسبة لي، الجندر هو الشعر الذي يصنعه كل منا من اللغة التي نتعلمها. عندما أبحث في أنطولوجيا العالم، أرى الأفراد يعبرون عن جنسهم بطرق معقدة للغاية ومتغيرة باستمرار، على الرغم من قوانين خماسي التفاعيل.
إذن كيف يمكن التعبير عن النوع الاجتماعي بموجب مرسوم وبأمر القانون؟ أليس هذا مثل محاولة تقييد بركة من الزئبق؟ صحيح أن تعبير الإنسان عن الذات متنوع وغالبًا ما يتم التعبير عنه بطرق غامضة أو متناقضة. ويمكن أن تعتمد درجة التعبير الجندري التي تعتبر “مقبولة” على وضعك الاجتماعي، وعرقك وجنسيتك، وطبقتك، وما إذا كنت تعيش في بيئة حضرية أو ريفية.
لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن التربية الجندرية الصارمة تبدأ في وقت مبكر من العمر- بدءًا من الترميز اللوني الوردي والأزرق لملابس الأطفال الرضع إلى الألعاب التي تضع علامات تتعلق بالنوع الاجتماعي. وأولئك الذين يتجاوزون هذه الحدود التعسفية يعاقبون بشدة. عندما تشد الأصفاد الفولاذية، تتشقق عظام الإنسان. لا أحد يعرف عدد أرواح العابرين جنسيًا التي فقدت بسبب وحشية الشرطة والتعرض للضرب في الشارع. يتم الاستهانة بحياة الأشخاص العابرين جنسيًا في هذا المجتمع لدرجة أن العديد من جرائم القتل لا يتم الإبلاغ عنها. وأولئك الذين نجوا منها يعانون من ندوب عميقة بسبب المشاحنات اليومية مع الكراهية والتمييز والعنف.
لا يزال العابرون جنسيًا -حرفيًا- خارجين عن القانون الاجتماعي. وأنا على استعداد في بعض الأحيان -علنًا- لتقليل مجمل تعبيراتي عن ذاتي إلى أوصاف مثل: أنثى ذات صفات ذكورية، متشبهة بالرجال، مثلية، امرأة في ملابس رجل. تصف هذه المصطلحات حالة الخارج عن القانون. وأنا أرفع رأسي بفخر في طابور الشرطة. كلمة خارج عن القانون ليست قطعية. لقد تم حبسي في السجن من قبل رجال الشرطة لأنني كنت أرتدي بدلة وربطة عنق. هل كانت ملابسي حقًا جريمة؟ هل هي بذلة “الرجل” إذا كنت أرتديها؟ عند أي نقطة يتم تخصيص ملابس معينة لجنس معين؟
كانت حقيقة سبب اعتقالي باردة مثل الأرضية الأسمنتية في الزنزانة: في الواحدة صباحًا اعتبرت “أنثى ذات صفات ذكورية” إنه انتهاك جنسي. كان الرجال في زنازين مجاورة قد تم القبض عليهم لارتدائهم ملابس “نسائية”. كانت الزنازين التي تم إلقاؤنا فيها بنفس تصميم القضبان والخرسانة. ولكن عندما ألقينا بداخلهم، أشار رجال الشرطة إليها على أنها زنازين المتشبهات بالرجال والمتشبهين بالنساء. سميت الزنازين على اسم جرائمنا: انتهاك النوع الاجتماعي. القوانين الفعلية ضد ارتداء ملابس الجنس الآخر والسلوك المتعلق بتجاوز الأدوار الجندرية لا تزال موجودة في القوانين المشرعة اليوم. ولكن حتى في حالة عدم سن القوانين، فإن الشرطة والقضاة وحراس السجون مخولون بتنفيذ عقوبات قاسية على “الاختلاف” المعلق بالجنس والنوع الاجتماعي.
أعتقد أننا بحاجة إلى صقل وجهة نظرنا حول الكيفية التي يعمل بها قمع الشرطة والمحاكم والسجون، وكذلك جميع أشكال العنصرية والتعصب، كتروس في آلية النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يحكم حياتنا. بما أن كل أولئك الذين ليس لديهم الكثير ليخسرونه من تغيير هذا النظام يجتمعون ويفحصون هذه الأسئلة الاجتماعية، يمكننا فصل لب الحقائق عن الأكاذيب القديمة. حيث كشفت المهام التاريخية عن ضرورة اتخاذ موقف وإجراءات.
تلك اللحظة هي الآن. وهكذا فإن هذه المحادثة تتم في زخم الصراع الذي يدور وراءها. ما الذي يتطلبه الأمر لوضع حد للعنف “القانوني” وغير القانوني ضد الأشخاص العابرين جنسيا؟ كيف يمكننا حذف القوانين الجائرة والعبثية التي تفرض الملبس والسلوك للإناث والذكور؟ كيف يمكننا التخلص من جميع أشكال التمييز بين الجنسين ورهاب العابرين جنسيا؟
كيف يمكن أن يتناسب النضال من أجل الجنس وتحرير النوع الاجتماعي بالحركات الأخرى من أجل المساواة الاقتصادية والاجتماعية؟ كيف يمكننا الوصول إلى نقطة حيث نقدر الاختلافات بين بعضنا البعض، وليس مجرد التسامح معها؟ كيف يمكننا هدم الأسلاك الشائكة المكهربة التي وُضعت بيننا لإبقائنا منفصلين وخائفين ومواجهين لبعضنا البعض؟ كيف يمكننا تشكيل حركة يمكنها إحداث تغيير عميق ودائم، حركة قادرة على تغيير المجتمع؟
لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة إلا عندما نبدأ في تنظيم بعضنا البعض، ونكون على استعداد للنضال نيابة عن بعضنا البعض. إن فهم بعضنا البعض سيجبرنا على الصدق والاهتمام بالأشخاص لمحاربة اضطهاد بعضنا البعض كما لو كان الاضطهاد الذي نتعرض له.
هذا الكتاب هو أحد مساهماتي في هذا النقاش المجتمعي. العديد من الفصول هي عبارة عن تعديلات لمحادثات قدمتها في ربيع عام 1997، حيث واجهت العديد من المشكلات والصعوبات لاستعادة صحتي. في الأسابيع التي تلت إزالة الأنابيب الوريدية الأخيرة من ذراعي وصدري، تعافيت من المرض مثل مقاتل مقاوم يتسلق من المجاري إلى ضوء الشمس. حظيت بالكثير من الفرص للتحدث مع الناس في الجامعات والمؤتمرات والتجمعات. كان ذلك الربيع بالذات هدية ثمينة لم أستطع أخذها كأمر مسلم به. لقد كافحت بشدة لأعيش.
أتذكر الجهد البدني الهائل الذي استغرقته لسحب حقيبتي من حزام ناقل، للسير لمسافات طويلة عبر المطارات المزدحمة. لكني أتذكر أيضًا المحادثات الرائعة التي أجريتها مع العديد من الأفراد الرائعين. لقد وجدت أن الناس كانوا مستعدين للتحدث عن الجنس والتحرر الجنسي في كل جزء من الولايات المتحدة التي زرتها، من مانهاتن إلى تالاهاسي، ومن برمنجهام إلى دنفر. لقد تأثرت بالاستجابات العاطفية والحماسية التي تلقيتها من الجماهير في برلين ولايبزيج وكولن وهامبورج بألمانيا.
تم تضمين بعض هذه الخطب في هذا الكتاب. لقد أعددت لهم وصفًا للظروف والجماهير والأماكن المحيطة، حتى تشعر أنك جزء منها. قمت أيضًا بتضمين أصوات الأشخاص العابرين الآخرين، الذين أحترمهم بشدة. هؤلاء الأشخاص العابرين جنسيًا لديهم هويات وخبرات ووجهات نظر مختلفة عني، حتى يمكنك سماع مجمل المحادثة الجارية الآن.
كتب الشاعر راينر ماريا ريلكه، “كن على دراية بالتحول”. هذا الكتاب هو صوتي في هذه المحادثة. أنا أتطلع إلى سماع صوتك.
التحرير العابر: ما وراء الوردي أو الأزرق، ليزلي فينبرج – الفصل الأول–الجزء الأول