آن ماري وچوش ميلر – العنصرية في الولايات المتحدة – الفصل السابع

التقاطعية وغيرها من أشكال الاضطهاد الاجتماعي

الجزء الرابع.. المحتويات

العنصرية والهجرة

ديناميات الهجرة

تشريعات مهمة

العنصرية والهجرة حاليا

 

العنصرية والهجرة

كانت الهجرة مركزا للعنصرية في الولايات المتحدة. بدون الهجرة، لما أصبح الأوروبيون والأمريكيون الأصليون على اتصال ببعضهم البعض. أدت الهجرة القسرية للأمريكيين الأفارقة إلى العبودية وآثارها الكارثية. ومن خلال الهجرة، جاء الأيرلنديون والإيطاليون واليهود والعديد من المجموعات العرقية الأوروبية الأخرى إلى الولايات المتحدة. حيث أطلق على هذا البلد اسم “أمة المهاجرين”. وتعيد الهجرة حاليا، حسابات العرق والإثنية والعنصرية، مع دخول أعداد ضخمة من المهاجرين من أمريكا الوسطى والجنوبية وآسيا للولايات المتحدة.

ونظرًا لأن الهجرة تجتذب مجموعات متنوعة من الأشخاص معًا، تتكون علاقات معقدة بين المجموعات. وتثير الهجرة أسئلة حول المواطنة والحقوق (خاصة منذ 11 سبتمبر 2001)، كما تثير أسئلة عن الثقافة والاندماج، وتؤدي إلى إعادة تشكيل من هو في الداخل ومن الخارج ومن يمتلك القوة والمكانة. وفيما يتعلق بالعرق والعنصرية في الولايات المتحدة، فإن الهجرة والاندماج أمران حيويان في البناء الاجتماعي لذوي البشرة البيضاء والملونة.

تميل الهجرة إلى الحدوث في موجات، حدث أكبرها في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. بين عامي 1901 و1925، هاجر 17.2 مليون شخص إلى هذا البلد (تشو، 2001). بين عامي 1971 و1995، وصل إلى الولايات المتحدة نفس العدد تقريبًا، 17.1 مليون، على الرغم من أن هذا العدد مثل نسبة أقل من إجمالي سكان الولايات المتحدة. تصل أعداد المهاجرين اليوم نحو 1.1 مليون شخص سنويًا (جولدسبورو، 2000)، مع أكثر من 28 مليون مقيم في الخارج، أي حوالي عُشر السكان (رويز، 2000). يتسم المهاجرون الجدد بالتنوع الاجتماعي الاقتصادي، ويتراوحون بين الأشخاص المتعلمين والمدربين تدريباً عالياً من الهند إلى المهاجرين الفقراء والأميين من المكسيك والسلفادور (تشو، 2001).

نحن حاليًا في فترة هجرة عالية، مما يساهم في حدوث تحول كبير في السكان الإثنيين والعرقيين في الولايات المتحدة. في المناقشة التالية سننظر في بعض ديناميات الهجرة، ونذكر بعض التشريعات الأخيرة المهمة وتأثيرها على الهجرة، ثم ندرس كيفية تفاعل الهجرة والعنصرية في الوقت الحالي.

 

ديناميات الهجرة

الهجرة هي عملية من عوامل الدفع والجذب. عوامل الدفع هي الظروف التي تدفع الناس إلى الرغبة في الحركة، وعوامل الجذب هي الظروف التي تجذبهم وتشدهم إلى مواقع محددة. مثال على العوامل الكلية هو الطلب على العمالة في بلد ما مقابل ارتفاع البطالة في بلد آخر. أحد الأمثلة على سبب الهجرة على المستوى الجزئي هو رغبة الشخص في العيش في نفس المكان الذي يعيش فيه أطفاله الذين هاجروا. من الواضح أن تفاعل عوامل الكلية والجزئية يعمل بشكل دائم على مستوى العالم (تشو، 2001).

تحدث بعض الهجرة طواعية، وهي جزء من رغبة الأسرة أو الفرد في الترقي الاقتصادي أو إيجاد ثقافة أكثر توافقًا. ومع ذلك، فإن الكثير من حالات الهجرة اليوم مدفوعة بالحروب والمجاعات والاضطرابات الاقتصادية والاضطرابات السياسية (تشو، 2001). يحدث التحضر في جميع أنحاء العالم، ما يؤدي إلى هجرات كبيرة من الريف إلى المدينة (جاردنر وبلاكبيرن، 1996)، حيث تؤدي العديد من الضغوط الاجتماعية والانفصال إلى مزيد من الهجرة. يؤثر الإرهاب والتهديد المتصور له على أنماط الهجرة وسياساتها ومعاملة المهاجرين في أوطانهم الجديدة.

تؤثر القوانين والسياسات التي تشجع الأشخاص أو تثنيهم عن دخول الولايات المتحدة على الهجرة، وقد شكلت تاريخيًا التركيبة القومية والعرقية والإثنية للمقيمين الوافدين حديثًا. حدد اسبنشاد وفيكس وزيمرمان وكوربت (1997) أربعة أهداف لسياسة الهجرة الأمريكية.

  1. أهداف اقتصادية، لضمان إمداد كافي من العمال الذين يمتلكون المهارات اللازمة للالتحاق بوظائف معينة، وكذلك العمال الذين يقبلون الوظائف التي يصعب شغلها.
  2. أهداف إنسانية، مثل لم شمل العائلات.
  3. أهداف سياسية، كالسماح لبعض اللاجئين بدخول البلاد، مثل الكوبيين أو الفيتناميين الجنوبيين بعد نهاية حرب فيتنام.
  4. تشجيع المزيد من التنوع الثقافي والعرقي- على الرغم من أن قطاعات رئيسية من السكان لا تتوافق على هذا الهدف المثير للجدل. حيث ازدادت مقاومتهم له منذ 11 سبتمبر.

تقول الأسطورة القومية أن أمريكا أمة من المهاجرين الأبطال، لكن هذا يناقض الواقع، حيث كان المهاجرون ولا يزالون يعاملون بازدراء ونفور وانعدام ثقة واستنكار (كيبريا، 1998). وتطور العمل الاجتماعي والمهن المساعدة الأخرى بسبب القلق بشأن أنماط الحياة غير الأخلاقية والمفسدة المزعومة للمهاجرين الأوروبيين الجدد. غالبًا ما يتم استهداف المهاجرين وإلقاء اللوم عليهم، كما يعاملون كأجانب وأغراب (اونج هينج، 1998).

من الممكن أن يُستغل المهاجرين سياسيا أيضا. كشف تحليل محتوى الصحف الوطنية، نقلاً عن تصريحات لكبار السياسيين حول المهاجرين المكسيكيين بين عامي 1993 و1998، أن 63٪ أشاروا إليهم على أنهم “غير شرعيين”، و32٪ على أنهم “عبء رعاية اجتماعية”، و30٪ على أنهم “غزو حدودي”. (رويز، 2000).  الأمر الذي يستحضر تحذير الرئيس رذرفورد هايز من “الغزو الصيني” منذ أكثر من 130 سنة!

تؤثر لغة ورمزية القادة تأثيراً قوياً على كيفية رؤية المهاجرين ومعاملتهم. على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها سياسة هجرة واضحة، إلا أن هناك تناقضًا أكبر حول كيفية رعاية المهاجرين بمجرد وصولهم إلى البلد، وهو افتقار إلى سياسات التعامل مع المهاجرين (إسبنشادي وآخرون، 1996-1997). وهو موقف مؤسف، حيث يواجه المهاجرون العديد من التحديات في محاولتهم الاستقرار في منازلهم. قد يكون المهاجرون عانوا من اضطرابات في بلدانهم الأصلية، وبالتأكيد فإن عملية الهجرة أيضا مقلقة ومربكة. (جاردنر وبلاكبيرن، 1996).

يواجه المهاجرون العديد من الاختلافات في الثقافة والعادات واللغة والمناخ ونمط الحياة والرفاهية الاقتصادية في كثير من الأحيان بمجرد وصولهم إلى الولايات المتحدة (جاردنر وبلاكبيرن، 1996؛ باديلا، 1997). على الرغم من أن بعض المهاجرين متعلمون جيدًا ويتمتعون بالأمان الاقتصادي في هذا البلد، فإن الكثيرين غيرهم يأتون بتعليم ومهارات توظيف أقل وينتهي بهم الأمر بالعمل في وظائف منخفضة الأجر، وغالبًا ما تكون خطرة (باديلا، 1997؛ تشو، 2001).

وتعتبر صعوبة الوصول للخدمات من النتائج المترتبة على الهجرة أيضا (جاردنر وبلاكبيرن، 1996). حيث يُحرم العديد من المهاجرين، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، من مزايا العمل والحصول على الرعاية الصحية؛ وبالتالي، فإن احتياجاتهم الصحية والعقلية لا تُلبى (باديلا، 1997). وغالبًا ما يفتقرون إلى المعرفة بالنظام والثقة للضغط والحصول على احتياجاتهم. ينتقل الأمر إلى نظام التعليم العام، حيث يكون الآباء والأمهات، بسبب العديد من الأسباب المذكورة، وكذلك الحواجز اللغوية والثقافية، أقل احتمالية لحضور الاجتماعات التي تتعلق بتقدمهم الدراسي لأطفالهم أو للدفاع عنهم عندما يواجهون مشاكل أو إذا كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة. ومن المثير للاهتمام أن المهاجرين مطالبون بدفع الضرائب في معظم الحالات ويمكنهم الالتحاق في القوات المسلحة والقتال في حروب خارجية (إسبنشادي وآخرون، 1997).

 

تشريعات مهمة

لا يمكننا المغالاة في الحديث عن أهمية قانون إصلاح الهجرة لعام 1965 وتأثيره على العرق والعنصرية في الولايات المتحدة. ناقشنا في الفصل الثالث القوانين التي كانت تهدف إلى منع المهاجرين من دخول البلاد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تم الحفاظ على الطابع الأوروبي الأبيض المميز لمعظم الولايات المتحدة كما هو من خلال إعطاء الأفضلية للمهاجرين القادمين من البلدان التي نشأ فيها الأشخاص الذين يعيشون بالفعل في الولايات المتحدة. خلال فترة ذروة الهجرة خلال أوائل القرن العشرين، جاء 90٪ من المهاجرين من الدول الأوروبية (تشو، 2001). وفي أعقاب قانون عام 1965، جاء 88٪ من المهاجرين من الأميركتين وآسيا، وأعداد كبيرة من أفريقيا (تشو، 2001). كان لهذا، وسيظل، تأثيرًا كبيرًا على التكوين العرقي والإثني للولايات المتحدة.

نشأ الدافع لإجراء إصلاحات على الهجرة من لجنة رئاسية أنشأها الرئيس ترومان. قبل إصدار قانون إصلاح الهجرة لعام 1965 بفترة وجيزة، أفادت اللجنة بأن المشاكل الرئيسية الثلاث مع القانون الحالي هي: (1) أنه مبني أساسا على عدم الثقة في جميع الأجانب، (2) أنه يميز على أساس العرق، و(3) لم يدعم مصالح السياسة الخارجية الأمريكية (جولدسبورو، 2000). ومع ذلك، من الصعب تصور تمرير مثل هذا القانون الثوري للهجرة دون الزخم الذي ولّدته حركة الحقوق المدنية وما ترتب على ذلك من اهتمام بالعدالة العرقية (كيبريا، 1998). تم تمرير قانون إصلاح الهجرة خلال نفس الموجة من التشريعات التي أدت إلى سن قانون حق التصويت، وقانون الحقوق المدنية، وبدء سياسات العمل الإيجابي.

بعد إقرار هذا القانون، أعطى التشريع في عامي 1980 و1986 الوضع القانوني للاجئين وطالبي اللجوء، ولفترة قصيرة من الزمن، منح الوضع القانوني لمليوني عامل غير موثق (باديلا، 1997). وقد اقترنت هذه الإجراءات بمحاولات لتثبيط الهجرة من خلال حرمان المهاجرين من المزايا. كانت المحاولة الأسوأ سمعة هي الاقتراح 187 في كاليفورنيا، الذي حرم المهاجرين غير الشرعيين من الخدمات الصحية والاجتماعية. تمت الموافقة على هذا الاقتراح بتأييد 62٪ من الناخبين، بعد حملة قادها الحاكم آنذاك بيت ويلسون، الذي وصف المهاجرين مرارًا وتكرارًا بأنهم “مستغلون”، دعما للعداء والعنصرية ضدهم بدلاً من الاعتراف بالمساهمات الاقتصادية لهؤلاء المستهدفين (رويز، 2000). تم إعلان عدم دستورية هذا القانون في طعن قضائي.

حظر قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية لعام 1996 الذي أقره الكونجرس ووقعه الرئيس كلينتون في البداية المهاجرين، بما في ذلك المهاجرين الشرعيين، من تلقي مزايا الرعاية الاجتماعية، لكن الفوائد الصحية والمتعلقة بالإعاقات تمت إعادتها إلى المهاجرين الذين عاشوا في الولايات المتحدة قبل تمرير التشريع (اونج هينج، 1998). منذ ذلك الوقت، تآكل الدعم الفيدرالي للمهاجرين بشكل مطرد، مما أدى إلى عبء أكبر على الولايات (باديلا، 1997).

 

العنصرية والهجرة حاليا

تعد موجة الهجرة الحالية أكثر تنوعًا من الناحية العرقية والإثنية مما كانت عليه في الماضي حيث تتغير سمات وعادات البلاد.

يُجرى حاليا عملية إعادة تفكير وصياغة لمفاهيم العرق والعنصرية؛ حيث يتم مناقشة النماذج القديمة؛ مع ظهور أنماط جديدة من العلاقات بين المجموعات تعيد تشكيل وتهيئة المشروع العنصري الأمريكي. أصبح طيف العنصرية أكثر تعقيدًا، وبينما يستمر الأمريكيون من أصل أفريقي والأمريكيون الأصليون في مواجهة التفاوتات الراسخة، يتم وصف العرق والعنصرية بمصطلحات أكثر تعقيدًا وأقل انقسامًا من ثنائية أبيض وأسمر البشرة.

على الرغم من أن العديد من المهاجرين اليوم يصنفهم التركيب الاجتماعي كأشخاص ملونين، إلا أن المعاني الشخصية والاجتماعية لهذا التصنيف مثيرة للجدل وغير مستقرة. تعد المعاني المتغيرة للعرق والإثنية جانبًا مهمًا من التشويش والاضطرابات التي يمر بها المهاجرون. الجامايكيون، على سبيل المثال، يأتون من بلد يغلب عليه البشرة السمرا، حيث يتمتع الأفارقة الجامايكيون بسلطة اقتصادية وسياسية ويتمتع ذوي البشرة السمراء بالحراك الاجتماعي. فهل يُنظر إليهم على أنهم مجموعة متميزة عن الأمريكيين الأفارقة عند وصولهم إلى الولايات المتحدة؟، بالتأكيد، حيث إن لديهم اختلافات عرقية وثقافية، لكن منطق العنصرية يرى كلاً من الأمريكيين الأفارقة والجامايكيين كأشخاص ذوي بشرة سمراء. كيف يمكن لطفل من المهاجرين الجامايكيين نشأ في بروكلين والتحق بالمدرسة مع الجامايكيين الآخرين والأمريكيين الأفارقة أن يعرّف نفسه؟ كيف ينظر إليه زملائه من الأمريكيين من أصل أفريقي؟ كيف يعامله ضباط الشرطة البيض وأصحاب المتاجر الذين قد يكونون من البيض أو الهنود أو الكوريين؟

أو كيف ترى طالبة الخدمة الاجتماعية اليابانية نفسها من منظور عرقي في الولايات المتحدة؟ في اليابان، نجد أن المجتمع متجانس نسبيًا، فكانت هذه الطالبة جزءًا من الأغلبية السائدة التي تتمتع فيها بامتياز عرقي. والآن يخبرها بعض زملائها الطلاب والأساتذة بأنها “ملونة”. ماذا يعني هذا؟ ما الذي تشترك فيه مع زملائها الطلاب الأمريكيين الكوريين والأمريكيين من أصل أفريقي والأمريكيين المكسيكيين؟ إذا كان هناك أي شيء؟

وماذا عن طالب ذو بشرة بيضاء من كولومبيا اعتاد أن يكون لديه امتياز عرقي، ويجد نفسه فجأة مُجمعًا مع البورتوريكيين والدومينيكيين على أنه “لاتيني”؟ ماذا يعني هذا؟

هذه ليست سوى ثلاثة أمثلة لمعضلات الهوية التي يتعرض لها المهاجرون، أحيانًا كل يوم. قد تؤدي هذه القضايا إلى فهم أكثر تعقيدًا للهوية وعبثية وتناقضات العنصرية في المجتمع ككل، لتتحدى طريقة التفكير الثنائية.

هناك مجال آخر تتقاطع فيه الهجرة مع العنصرية، وهو إعادة هيكلة العلاقات بين المجموعات مع المهاجرين الآخرين والسكان الأصليين الملونين والبيض. ما يقرب من ثلاثة أرباع المهاجرين الجدد استقروا في ست ولايات: كاليفورنيا ونيويورك وفلوريدا وإلينوي ونيوجيرسي وتكساس (تشو، 2001). ثلث سكان لوس أنجلوس وميامي هم من المهاجرين، ويعيش عدد كبير منهم في أحياء منعزلة اقتصاديًا واجتماعيًا، متجاورة أو متقاربة مع السكان الأصليين الملونين، وخاصة الأمريكيين من أصل أفريقي.

أجرى موراوسكا (2001) بحثًا مقارنًا لمدن مختلفة بها أعداد كبيرة من المهاجرين، مع التركيز على العلاقات بين المجموعات من المهاجرين والأميركيين الأفارقة. وحذر موراوسكا من التعميم، حيث أن لكل مدينة ديناميكيتاها الفريدة بين المجموعات. وبناءً على أبحاث بوبو وهوتشينز وبلومر، صور موراوسكا العلاقات بين المجموعات على أنها دالة لظروف اقتصادية وسياسية ملموسة تتفاعل مع الآراء والمشاعر والأحكام الداخلية التي تطورت تاريخيًا وجماعيًا وأصبحت قائمة بشكل خاص. ما يعنيه هذا هو أن الظروف الملموسة للاتصال والمنافسة تختلط بالاستنتاجات الذاتية والصور النمطية، التي تشكلت من خلال الخطابات التاريخية والمعاصرة. وعلى الرغم من أن العلاقات بين المجموعات لها بعض الموضوعات والأنماط المشتركة، إلا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية الفريدة لكل مجتمع تنتج اختلافات في العلاقات بين الأعراق.

بعض ميادين المنافسة والصراع يمكن التنبؤ بها: الهوية، والوظائف، والسلطة، والقيم الثقافية، والمنافسة من أجل الترقي (موراوسكا، 2001). تتأثر ملامح هذه المساحات المتنازع عليها بالقيم الثقافية، وتصورات المجموعة، وطبيعة ومضمون علاقة النخبة البيضاء بالسلطة مع الأمريكيين الأفارقة وجماعات المهاجرين في المجتمع. في مدينة نيويورك، وجد موراوسكا توترات بين الأمريكيين الأفارقة وأصحاب المتاجر الكوريين حول الهوية، والسيطرة على المجتمع، والتفاعلات الاقتصادية. تضمنت الصراعات مع البورتوريكيين التنافس على الوظائف والسلطة السياسية والنفوذ. لاحظ موراوسكا التوترات بين الأمريكيين الأفارقة والهنود الغربيين غير اللاتينيين والتناقضات بين العرق والإثنية الموصوف أعلاه.

تختلف هذه النتائج اختلافًا كبيرًا عن العلاقات بين الأمريكيين الأفارقة والكوبيين في ميامي، حيث يتمتع الكوبيون بقدر كبير من القوة الاقتصادية والسياسية مقارنة بالبورتوريكيين في نيويورك، ويفوقون الأمريكيين الأفارقة عددًا. تعتبر المؤسسة السياسية البيضاء في ميامي أكثر تحفظًا بكثير مما هي عليه في نيويورك، لذا فهي تميل إلى التوافق مع المهاجرين الكوبيين الذين يغلب عليهم الطابع المحافظ.

وهناك جدل حول ما إذا كان المهاجرون من ذوي الأجور المنخفضة يتنافسون مع الأمريكيين من أصل أفريقي ويحتلون الوظائف. تقول الحكمة الشائعة إنهم يفعلون ذلك (تشو، 2001). هناك مخاوف من أن المهاجرين يعملون مقابل أجر أقل وفي ظل ظروف أقل استحسانًا، مما يؤدي إلى خفض الأجور ومعايير التوظيف بالنسبة للجميع، لصالح أرباب العمل. تمكن المهاجرون أيضًا من احتكار المجالات الاقتصادية والمهنية، ومنع الأمريكيين الأفارقة من الوصول إليها، فيما سمحوا للمواطنين من نفس الإثنية بالوصول إليها (تشو، 2001). هذه هي التجربة التي واجهها الأمريكيون الأفارقة مع مجموعات المهاجرين البيض في أوقات سابقة. ووُجد أن أرباب العمل يفضلون الباحثين عن عمل من المهاجرين على الأمريكيين من أصل أفريقي (ويلسون، 1996؛ تشو، 2001).

يجادل البعض التحليل السابق. من بينهم اونج هينج (1998) الذي جادل بأن المهاجرين يغذون الاقتصاد من خلال العمل والاستهلاك، مما يحفز الطلب ويخلق فرص العمل. بعد مراجعة البحث حول هذا الموضوع المثير للجدل، خلص (إسبنشادي وآخرون، 1996-1997) إلى أن المهاجرين لا يحلوا محل العمال من السكان الأصليين؛ بدلاً من ذلك، يشغلون مجالات مهنية مختلفة ويكملون العمال المحليين بدلاً من إزاحتهم. ووجدوا أيضًا أن تأثير التصورات يفوق بكثير التجارب والمواجهات الفعلية.

 

من المؤلم والمحبط للعديد من الأمريكيين الأفارقة بشكل خاص معرفة مستوى النضال والتضحية الذي شاركوا فيها لكسر الحواجز وفتح الأبواب أمام الأشخاص الملونين. حيث يشعرون بالإحباط لرؤية المهاجرين يستفيدون من هذه الإنجازات، ويحتكرون الاقتصاد، ثم يتواطؤون مع أرباب العمل لإبعاد الأمريكيين من أصل أفريقي. فبدلاً من إنشاء جبهة موحدة من الأشخاص الملونين والأقليات والمهاجرين، لمواجهة العنصرية وامتيازات ذوي البشرة البيضاء، يحدث تنافس وتوتر وصراع بين الجماعات.

 

البعض تصور البقالين الكوريين، على سبيل المثال، على أنهم يلعبون دور “الوسيط” الكلاسيكي (كيبريا، 1998)، تمامًا كما فعل الهنود كتجار وموظفين حكوميين عندما سيطرت الإمبراطورية البريطانية على مساحات شاسعة من إفريقيا وآسيا. وقد شكل الكوبيون والأمريكيون الكوبيون تحالفات سياسية واقتصادية مع ذوي البشرة البيضاء المحافظين في ميامي، غالبًا على حساب السود (موراوسكا، 2001)، نفس طبقة النخبة البيضاء التي تواطأت مع قوانين جيم كرو وممارسات عنصرية أخرى. ومع ذلك، فإن المهاجرين، بغض النظر عن لونهم، يريدون النجاح، فيما يعتبر احتكار أسواق العمل وتشكيل تحالفات مع النخب المدنية تقليد أمريكي.

 

على الرغم من الطبيعة المحلية للصراعات بين الجماعات، حدد موراوسكا (2001) مجموعة من العوامل التي تؤثر على العلاقات بين الأمريكيين الأفارقة والمهاجرين الملونين. وتشمل العوامل الهيكلية، مثل حجم الهجرة، وسلطة وتأثير المنافذ العرقية، وطبيعة النظام السياسي المحلي.

تعد العوامل الاقتصادية، مثل مدى ما بعد التصنيع ودور وحجم القطاع العام، مهمة أيضًا لأن الأمريكيين الأفارقة نجحوا في العمل في القطاع العام للتوظيف في المدن، بما في ذلك نيويورك وواشنطن، وعلى النقيض، غالبا ما يتم استبعادهم من القطاع الخاص. عندما يتقلص القطاع العام أو تحصل المجموعات العرقية الأخرى على إمكانية الوصول إليه، غالبًا ما يأتي هذا التغيير بتكلفة غير متكافئة بالنسبة للأمريكيين من أصل أفريقي. تتعلق العوامل الأخرى بتاريخ العلاقات بين المجموعات، والقضايا المثيرة للنزاعات، والآليات التي تعزز الحوار والتعاون بين المجموعات، ومدى تماسك المجموعات الإثنية والعرقية، وكيف تبني وسائل الإعلام روايات حول الجماعات وعلاقاتها ببعضها البعض، ومدى الترابط أو الاغتراب الذي تشعر به الجماعات العرقية والإثنية تجاه المجتمع ككل.

منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، كان هناك إعادة نظر في الهجرة في الولايات المتحدة. شددت الوكالات الفيدرالية مراقبة وضع المهاجرين، وتم ترحيل العديد منهم (ديفيس، 2004؛ ستيكلي، روبن ورينا، 2004). سجنت الحكومة عددا غير معروف من المهاجرين دون الإفصاح عن أسمائهم أو السماح لهم بمقابلة محامين، كل ذلك باسم الأمن القومي. وربما تم ترحيل البعض سرا إلى دول أجنبية أو معسكرات الاعتقال الأمريكية، حيث تعرضوا للتعذيب (ماير، 2005).

في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تعرض المهاجرون الذين بدا أنهم “عرب” للهجوم، ما تسبب في وفاتهم. تم تنفيذ قيود الهجرة واللوائح على الزوار من البلدان ذات الأغلبية المسلمة (بادين وسينجر، 2003). أفاد المهاجرون العرب والأمريكيون العرب بأنهم يشعرون بأمان أقل بكثير وأنهم عانوا من الخوف والعداء ضد العرب والمسلمين. وقد تفاقم هذا بسبب التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين ودول عربية أخرى في الشرق الأوسط.

أدى المناخ المعادي للهجرة إلى انخفاض كبير في عدد الطلاب الدوليين الذين يدرسون في الولايات المتحدة بتأشيرات دراسة (بادين ، وسنجر، 2003؛ ستيكيلي وروبن ورينا، 2004).

 

العوامل التي ساهمت في صراعات المهاجرين السود في المدن الأمريكية خلال الثمانينيات والتسعينيات:

عوامل على المستوى الوطني

– آثار ما بعد التصنيع على الاقتصاد الأمريكي

– تضاؤل ​​القطاع العام الأمريكي ودولة الرفاهية

– الشعور المشترك بالاغتراب عن المجتمع الأكبر

– الصور السلبية التي تبثها وسائل الإعلام على الصعيد الوطني، تعزز الصور النمطية عن المهاجرين والجماعات العرقية

– الحوادث المنتشرة للنزاعات الداخلية بين المجموعات التي تحدث ويتم الإبلاغ عنها في مدن أخرى

– سياسات الهجرة الأمريكية وتأثير مصالح وأولويات السياسة الخارجية الأمريكية

 

عوامل على المستوى المحلي.

– حجم ونسب المهاجرين أو الجماعات العرقية على مدار فترة زمنية معينة

– ديناميات اقتصاد المدينة (فقدان الوظائف، تجزئة سوق العمل، البطالة المستمرة والانحدار الطبقي، حجم ومجالات الاقتصاد غير الرسمي، وجود مجالات مهنية عرقية)

– الموقع الوظيفي للمهاجرين وذوي البشرة السمراء الأصليين على مدار فترة زمنية معينة، بما في ذلك التخصصات المهنية

– المنافسة العلنية والسرية على الوظائف والأجور بين المهاجرين والمواطنين من ذوي البشرة السمراء

– التركيز السكاني والعزل والتفاعل بين المهاجرين وذوي البشرة السمراء الأصليين على مدار فترة زمنية معينة؛ والمنافسة بين المجموعات على المساحات والإسكان والخدمات الاجتماعية المحلية

– المناخ الليبرالي مقابل المحافظ المحلي المدني- السياسي، والذي يتضمن استبعاد الغرباء والوافدين الجدد

– مشاركة المهاجرين وذوي البشرة السمراء الأصليين في السياسة المحلية وحصولهم على حصة من المناصب العامة

– التنافس على المناصب العامة بين المهاجرين وذوي البشرة السمراء الأصليين

– العنصرية المؤسسية أو القيود المفروضة على الإنجازات الخاصة المجموعات غير البيضاء، وخاصة ذوي البشرة السمراء

– الإحساس الجماعي بالانفصال الناتج عن العوامل التي سبق ذكرها

– المعتقدات والأيديولوجيات داخل أي من المجموعتين حول التفوق والمكافآت والأوضاع داخل المجموعة، وحول انفتاح أو انغلاق الهيكل الاجتماعي الأمريكي

– التصورات السلبية داخل المجموعة عن المجموعات الأخرى

– التمثيلات الوسيطة للجماعات العرقية أو الإثنية المحلية لمجموعات أخرى ومواقفهم تجاه المجموعة وعلاقاتها معها

– تاريخ العداء بين الجماعات المحلية

– غياب القادة البارزين ذوي التوجهات الداعمة لتسوية الخلافات

– غياب حالات التعاون بين المجموعات

 

تقوم وزارة الأمن الداخلي بتجربة خطة مثيرة للجدل تتمثل في جعل المهاجرين يرتدون أساور الكاحل حتى يمكن تعقبهم (زويردلينج، 2005). يوضح كل هذا كيف ترتبط الهجرة ومعاملة المهاجرين بالأحداث العالمية المعقدة وغير المستقرة والأيديولوجيات السياسية المحلية. يستمر تأثير هذا الأمر على المدى الطويل على العلاقات العرقية في الولايات المتحدة في التطور.

من المؤكد أن التركيب العرقي والإثني للولايات المتحدة قد تغير بشكل كبير ولا يزال يتغير. إلى جانب المخاوف بشأن الإرهاب ودور المهاجرين، من غير المؤكد كيف سيتفاعل هذا التركيب مع النظام القائم والعرقي للامتيازات والاستثناءات والذي يتم إدخال المهاجرين إليه. هل سيزداد التمييز بين المواطنين الأصليين والمهاجرين حدة، وهل سيؤدي ذلك إلى تثبيط الهجرة؟ هل سيتلاشى الامتياز الممنوح لذوي البشرة البيضاء عندما يشكل الأشخاص الملونون غالبية البلاد (وهو ما يحدث بالفعل في عدد من المدن الكبرى)؟ أم هل منح بعض المجموعات امتيازات ذوي البشرة البيضاء- كما حدث مع المهاجرون اليهود والإيطاليون والأيرلنديون بعد أن تم معاملتهم في البداية كأصحاب بشرة ملونة- تاركين بذلك مجموعات أخرى، مثل الأمريكيين من أصل أفريقي؟ هل سيصبح اللاتينيون والآسيويون ذوو البشرة الفاتحة “بيض” بينما يُعتبر أشقائهم وأبناء عمومتهم “ذوو البشرة الملونة”؟ أم أنه سيكون هناك تحول تدريجي نحو السكان ذوي البشرة السمراء حيث يؤدي التزاوج المختلط إلى مزيد من تفكك الفئات العرقية والإثنية الجامدة؟

تلخيص

لا توجد الهوية العرقية بمعزل عن الجوانب الأخرى للهوية. حيث ترتبط بشكل معقد بأشكال أخرى من التفاوتات الراسخة والقمع الاجتماعي. نظرًا لأن تركيز هذا الكتاب ينصب على العنصرية، فقد قصرنا النظر في هذه التقاطعات من خلال عدم النظر في العديد من أشكال الاضطهاد الاجتماعي الأخرى، مثل التعصب الديني، ولم نأخذ في الاعتبار الطبقة والجنس والتوجه الجنسي والهجرة بعمق كبير. تستحق هذه الأِكال العديد من مجلدات التحليل والمناقشة في حد ذاتها. ما فعلناه في هذا الفصل هو استكشاف بعض أهم الطرق التي يتقاطع بها العرق والعنصرية مع هذه الظواهر الاجتماعية وكيف أن العنصرية في الولايات المتحدة، سواء داخلنا أو خارجنا، تلامس وتغير كل شيء آخر.

  • الصورة مأخوذة من موقع اللوبي النسوي السوري
Tags:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

دار هنّ elles للنشر والتوزيع