كيف تؤثر الصور النمطية الجندرية على الصحة العقلية للنساء؟

تتعدد الاختلافات بين الأفراد في المجتمع. أحد أهم هذه الاختلافات هو الاختلاف بين الرجال والنساء، وهو اختلاف بيولوجي في الطبيعة، ويتسم بوجود اختلافات جسدية بين الجنسين، لكن المجتمع تقليديًا استخدم الاختلافات البيولوجية لإنشاء الصور النمطية الجندرية، وهي تعميمات حول الخصائص الشخصية للذكور والإناث في المجتمع. يؤدي تطبيع الصور النمطية الجندرية إلى تشويه نظرتنا إلى أنفسنا والآخرين. وهي انحياز لا شعوري، ويمكن أن تترسخ من خلال تفاعلات المعلم والطالب أو الوالد والطفل.
يمكن أن تؤثر الصور النمطية الجندرية على كل منحى من مناحي الحياة، مما يساهم في ضعف الصحة العقلية لدى الشباب، وارتفاع معدلات انتحار الذكور، وانخفاض الثقة بالنفس لدى الفتيات، ومشاكل صورة الجسد (1 من كل 5 من البالغين من العمر 14 عامًا يؤذون أنفسهم)، علاوة على ذلك، فإنها تسمح بثقافة الذكورة السامة والعنف ضد المرأة دون رادع.
ومنذ سن مبكرة، يتم تعليم الأطفال الأنشطة والسلوكيات التي ينسبها المجتمع إلى النساء أو الرجال. نتيجة لهذا التعرض، ينشأ الأطفال بمواقف مترسخة بعمق حول كيفية تصرف أفراد كل جنس والأدوار التي يجب أن يلعبها في المجتمع. في حين أن بعض الصور النمطية الجندرية غير ضارة، إلا أن البعض الآخر يمكن أن يكون إشكاليًا وله عواقب سلبية. أحد الصور النمطية الجندرية الإشكالية هو الاعتقاد بأن النساء يجب أن يكن غير حازمات، وهو الاعتقاد الذي يجعلهن عرضةً للعنف المنزلي ومشاكل الصحة العقلية.
يتعلم الأطفال في سن صغيرة أن النساء يجب أن يكن غير حازمات، ويتم تثبيط السلوك الحازم في الفتيات بل ومعاقبتهن عليه، كما يتم تشجيع السلوك السلبي والخاضع والثناء عليه. فعلى سبيل المثال، عند اللعب مع أقرانهن، يُتوقع من الفتيات الصغيرات أن يكن لطيفات ومقدرات لاحتياجات أصدقائهن. كما يجب عليهن تجنب القتال بأي ثمن، وغالبًا ما يتم دفعهن لتقديم تنازلات. ترسخ هذه التنشئة الاجتماعية الفكرة بأن الفتيات عليهن وضع مصالح الآخرين قبل مصالحهن الخاصة. وعند التعامل مع الرجال، تنص الصورة النمطية على أن النساء يجب أن تثير خصائص مثل الدفء والحياء واللطف.
للصورة النمطية السابقة مجموعة من الآثار السلبية، من بينها زيادة احتمالية تعرض النساء لخطر العنف والاعتداء من قبل الرجال، فعدم امتلاك النساء لصفة الحزم، يؤدي إلى سيطرة الرجال على حياتهن، كما يتضاءل شعور المرأة بالاستحقاق للاحترام. ومن ثم، من المرجح أن تتحمل النساء المعاملة المهينة من قبل الرجال.
تساعد صفة الحزم الناس على الشعور بأنهم أكثر تحكمًا في حياتهم، وبدونه تشعر النساء أن حياتهن في أيدي أشخاص آخرين. وبالتالي، من المرجح أن تتحمل المرأة علاقة مسيئة لأنها تشعر أن الرجل هو المتحكم في حياتها. تشير الأبحاث إلى أن النساء غير الحازمات يميلن إلى تحمل سوء المعاملة والعنف من قبل الرجال، وهو ما يتسبب في أضرار جسيمة للمرأة وفي الحالات القصوى قد يؤدي حتى إلى فقدانها لحياتها.
أيضا، تؤدي الصورة النمطية إلى إصابة العديد من النساء بالشعور بقلة الثقة بالنفس. فالنساء اللواتي يتبعن الصورة النمطية الجندرية المتمثلة في عدم الحزم يحاولن أن يكن لطيفات دائما، ولا يصرن على تلبية احتياجاتهن الشخصية عند رفضها. بدلاً من ذلك، يتنازلن أو يسعن إلى أن يكن لطيفات.
ويمكن أن تتطور قلة الثقة بالنفس لدى النساء اللواتي يعتقدن أن آرائهن لا قيمة لها. وقد يؤدي هذا إلى مشاكل في الصحة العقلية مثل التوتر والاكتئاب والقلق، كما يقلل من جودة الحياة التي تتمتع بها المرأة التي تعاني من قلة الثقة بالنفس.
وغالبًا ما يُنظر إلى النساء والفتيات من قبل الآخرين على أنهن مجرد أدوات جنسية، ما له آثار سلبية على الصحة العقلية ورفاهية النساء. حيث يمكن أن تؤدي مثل هذه التصورات عن الفتيات إلى جعل الناس ينظر إليهن على أنهن يفتقرن إلى الذكاء وغيره من السمات العقلية والقيم الأخلاقية.
ووجدت إحدى الدراسات أن الفتيات الصغيرات اللاتي تم تصويرهن كأدوات جنسية يُنظر إليهن على أنهن أكثر مسؤولية عن السلوك الذي يؤذيهن، كما يتلقين اهتمام أقل عندما يتعرضن للأذى، ويكون الناس أقل عرضة لتقديم المساعدة لهن. ويذكر أن سوء الصحة العقلية قد يؤدي أيضا إلى بداية مبكرة لمرحلة البلوغ للفتيات، الأمر الذي يعرضهن لمخاطر اجتماعية وجنسية بسبب عدم المساواة بين الجنسين والقوالب النمطية.
تتأثر النساء أيضًا بشكل غير متناسب بالاعتداء الجنسي والإساءة العاطفية، وهي تجارب مؤلمة يمكن أن تساهم في تطوير مشكلات الصحة العقلية مثل القلق المزمن واضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، وبالأخص مع وجود صور نمطية تلحق العار بالمرأة التي تتحدث علنًا عن تعرضها للاعتداء أو ترفضه أو تقوم بالإبلاغ عنه.
وعلى نطاق أوسع، تشير وسائل الإعلام والثقافة الشعبية باستمرار إلى ما يجب أن تبدو عليه المرأة، الأمر الذي يكون له تأثير على تقدير الذات، حيث يمكن للضغوط التي يضعها المجتمع على المرأة لتبدو بطريقة معينة وتلبي “معايير الجمال” أن تساهم في مشكلات الصحة العقلية مثل اضطرابات الأكل، وهي مشكلة أكثر شيوعًا بكثير لدى النساء أكثر من الرجال.
كما قد تشعر النساء بضغوط اجتماعية لإنجاب الأطفال حتى لو لم يكن يرغبن في ذلك، مما قد يؤثر على صحتهن العقلية. بالإضافة إلى ذلك، تُغيّر عملية الحمل والولادة المستويات الهرمونية، حيث تعاني بعض النساء من اكتئاب ما قبل الولادة أو ما بعد الولادة. ويقع جزء غير متناسب من العمل غير المأجور على عاتق النساء. ويشير العمل غير المأجور إلى العمل الذي يتم القيام به داخل الأسرة، مثل الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال ورعاية المسنين.

المصادر

https://studycorgi.com/gender-stereotypes-effects-career-and-mental-health
https://www.bcu.ac.uk/education-and-social-work/research/cspace-blog/gender-stereotypes-in-childhood-whats-the-harm
https://www.powertopersuade.org.au/blog/the-mental-health-impacts-of-sexualisation-family-violence-and-assault/8/8/2019
https://my-aima.com/blogs/news/mental-health-and-women

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X