يعد الحق في الصحة أحد أهم المؤشرات للمساواة ما بين الجنسين، فالوصول إلى الخدمات والرعاية الصحية العادلة والمتكافئة ما بين البشر، أحد أهم مؤشرات تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لجميع الناس. ولكن في حقيقية الأمر تحقيق العدالة والمساواة في الصحة أمر شديد التعقيد خاصة إذا كانت الأعراف الاجتماعية هي المحرك الأساسي لتلبية الاحتياجات الصحية لجميع المواطنين والمواطنات، فحين تكون الأعراف الاجتماعية حجر الزاوية في صنع السياسات الصحية، يعني بالضرورة تجاهل أو إهمال بعض الخدمات، وإقصاء ونبذ الأفراد والمجموعات من الوصول إلى الرعاية الصحية.
أزمة كوفيد 19 كانت دليلًا دامغًا على هشاشة النظم الصحية على المستوى العالم بشكل عام، وفي الدول الفقيرة بشكل خاص. يعاني الشباب والشابات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام من غياب المعلومات والخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية. فبرغم من تبني غالبية الدول في المنطقة خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، مازالت السياسات المتبعة تتجاهل توفير بيئة آمنة لحصول الشباب والشابات على الخدمات والمعلومات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، تحمي حقوقهم/ن وخصوصيتهم/ن وحريتهم/ن في الاختيار والتوجه الجنسي.
نتيجة عدم وجود آليات قانونية داخل البيئة التشريعية تضمن إتاحة وإمكانية حصول الشباب والشابات على خدمات ومعلومات حول حقوقهم/ن في صحة جنسية وإنجابية. وتضمن المساواة وعدم التمييز بين الجنسين. ينعكس ذلك على برنامج خدمات الصحة الجنسية والإنجابية المعد من قبل وزارات الصحة والتي يغيب عنها “التثقيف الجنسي الشامل” والذي يشمل (الثقة الجنسية، ومحو الأمية الجنسية، والتمكين، والكفاءة، والتضامن). فمعني الثقة والكفاءة لا يقتصر فقط على الشعور والاستعداد والقدرة على ممارسة الجنس، ولكنه يشمل وجود احترام للذات ومهارات التواصل والشعور بالتمكين واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الجنس وقضايا حقوق الصحة الجنسية والإنجابية بالمعني الواسع والشامل الذي يضمن المساواة وعدم التمييز بين الجنسين أو بين الفئات المختلف سواء على مستوى الميول أو التوجه الجنسي أو المعتقدات الدينية والانتماء السياسي أو الطبقي، فغياب تلك المقومات في التثقيف الجنسي الشامل ينعكس على حجم المعلومات التي يحصل عليها الشباب والشابات داخل المدارس والجامعات حول الصحة الجنسية والإنجابية والتي يغلب عليها المعلومات المتعلقة بالفوارق البيولوجية فقط بين الجنسين.
إقصاء الأقليات الجنسية من تلبية الاحتياجات الصحية:
يزداد الأمر تعقيدًا عند الحديث عن الأقليات الجنسية، فبرغم عدم وجود قانون يجرم العلاقات الجنسية المثلية أو قانون يجرم العبور الجنسي في العديد من البلدان، يتعرض مجتمع الميم-عين للعنف والاضطهاد والإقصاء المجتمعي نتيجة الأعراف المجتمعية المعادية لمجتمع الميم-عين والتي تنعكس على كافة حقوق أفراده سواء بالحرمان أو المنع أو الإقصاء، ومن بينها الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية.
ففي ظل عدم احترام حرية الفرد في اختيار هويته أو توجهاته أو ميوله الجنسية يحرم مجتمع الميم-عين من حزمة الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية مثل: التثقيف، التوعية، الخدمات الإرشادية. بالإضافة إلى كم الانتهاكات النفسية والجسدية التي يتعرضوا لها خلال تلقي الخدمات العلاجية.
على المستوى النفسي في العديد من مراكز الرعاية، يتم توجيه الإهانة اللفظية المتعمدة أو الطرد أو تلقي الخدمة في أماكن غير ملائمة لهويتهم الجندرية التي تم اختيارها من قبلهم/ ن، إذا كانت الخدمات الصحية تتطلب البقاء داخل المراكز الطبية لفترة زمنية. كما يتم إنكار اختياراتهم/ن الحرة لميولهم/ن الجنسية ووصم تلك الميول والذي يصل إلى حد الفضح أو إبلاغ الأهل أو السلطات التنفيذية، والحرمان من تلقي الخدمة الصحية المطلوبة. كما يتم الإجراء المتعمد لبعض الفحوص الطبية غير ضرورية والتي ترتقي إلى جرائم التعذيب مثل الفحوص الشرجية، تلك الأوضاع تتم في كل مكان سواء داخل أو خارج المراكز الطبية.
تلك الأوضاع تعرض حياة أفراد مجتمع الميم-عين إلى الخطر الشديد سواء على مستوى الأزمات النفسية والشعور بالتدني وعدم قبول الذات والحرمان، أو إهمال حقوقهم/ ن في تلقي الخدمات الصحية والعلاجية المرتبطة بالصحة الجنسية، مما يعرضهم/ ن للعديد من أشكال الانتهاكات مثل: عدم احترام الخصوصية أثناء إجراء الفحص الطبي، فرض نمط علاجي دون مشورة المتلقين والمتلقيات، التضليل وتقديم معلومات طبية غير صحيحة مرتبطة بميولهم/ ن وتوجهاتهم/ ن الجنسية، التحرش الجنسي والابتزاز النفسي والعاطفي والمالي، إهمال الخدمات الطبية المرتبطة بالأمراض المنقولة جنسيًا، بالإضافة إلى العقاب المجتمعي والقانوني الذي يتم ممارسته بمجرد اكتشاف أو الاعتراف بالميول أو الهوية الجنسية.
كورونا تكشف إقصاء الاقليات الجنسية من الخدمات الصحية:
خلال فترة الحجر الصحي لفيروس كورونا، لم تراعي السياسات والتدابير الصحية احتياجات الأقليات الجنسية، فيما يتعلق بالخدمات والرعاية الصحية في العديد من بلدان العالم. وفقًا لتقرير برنامج الحقوق والمساواة والمواطنة الصادر عن الاتحاد الأوروبي في يونيو عام 2020، فيما يتعلق بالمعوقات التي واجهت الأقليات الجنسية في أوروبا وآسيا كنتيجة لتفشي وباء كوفيد 19.
قدم التقرير تقييمًا سريعًا “للخدمات الصحية” المقدمة للأقليات الجنسية على مستوى 30 دولة في أوروبا وآسيا الوسطي، مؤكدًا على أن أزمة كوفيد 19 كانت دليلاً عن ضعف الخدمات الموجودة بالفعل.
كما كشفت أن الفئات الضعيفة والمهمشة لم تكن ممثلة بشكل حقيقي في الإجراءات والتدابير التي اتبعتها الدول لاحتواء الجائحة. حيث اعتبرت الرعاية الطبية للعابرين والعابرات جنسيًا والمرتبطة بالعبور الجنسي مثل: (المتابعات النفسية، وتلقي العلاج الهرموني، والجراحات الطارئة) تم تأجيلها أو إلغائها في 26 دولة على مستوى أوروبا وآسيا الوسطى، بما فيها عيادات متابعة الهوية الجندرية. وهي إحدى العيادات المهمة للعابرين والعابرات في أوروبا، كونها إحدى النقاط المركزية في حصول العابرين والعابرات جنسيًا/ جندريًا على الأوراق الثبوتية المتعلقة بهويتهم الجندرية.
كما كان توافر هرمون التستوستيرون نادراً إلى حد كبير؛ مما رفع ثمنه في الأسواق بشكل غير مسبوق. كما تم الإبلاغ عن مشكلات تتعلق بالوصول إلى الخدمات الصحية المرتبطة بفيروس نقص المناعة المكتسبة. حيث تم إلغاء برنامج اختبار فيروس نقص المناعة المكتسبة، وتعليق أحد اهم العلاجات الحديثة التي يعتمد عليها المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسبة (PREP).
كما توقفت تمامًا عملية الاعتراف القانوني بالعابرين والعابرات جنسيًا أو جندريًا في كرواتيا، مالطا، إستونيا، إسكتلندا، السويد. كنتيجة مباشرة لتوقف مجلس الصحة الوطني عن الانعقاد. كما كان هناك عجز كبير في خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، نتيجة نقص عدد الفرق الطبية الصديقة للأقليات الجنسية واتساع رهاب الأقليات الجنسية بين الفرق الطبية.
وللأسف الشديد نتيجة غياب أو ضعف البيانات وحرية تداول المعلومات، جعلت الوصول إلى تقارير توضح مدى وصول الأقليات الجنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات والرعاية الصحية شبه معدومة، ولا يوجد سوى شهادات بعض الأفراد الذين استطاعوا التعبير عن مدى قدرتهم للوصول إلى الخدمات الطبية. فقد كانت الشهادات تتمحور حول عدم استطاعة بعضًا من العابرين والعابرات الحصول على اللقاح، نتيجة الشكل الغير نمطي الذي يختلف عن البطاقات الثبوتية الخاصة بهم. كما تعرض البعض إلى رفض الفرق الطبية تقديم الخدمات لهم/ لهن بعد الإعلان أو اكتشاف الميول الجنسية أو الهوية الجندرية. كما لا يستطيع العابرين/ات جندريًا تلقي الخدمات الصحية المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية، نتيجة العنف الممارس من قبل الفرق الطبية وقت إجراء الفحوص الطبية واكتشاف الفارق بين المظهر الخارجي للعابر/ ة، والأعضاء التناسلية. في حين أن رفض إجراء الفحوص أو الحرمان منها يجعلهم/ ن عرضة للعديد من الأمراض من بينها سرطان الرحم.