كتب: ريان التوني
في يوم 26 أبريل من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمثليات، هذا الاحتفال الذي تعلن فيه النساء والفتيات المثليات عن أنفسهن وميولهن العاطفية والجنسية تجاه جنسهن من النساء. في المجتمعات حول العالم، مازال يمارس الاضطهاد والتمييز ضد النساء في المجالين الخاص والعام. يصبح الأمر أكثر عنفًا وإقصاءً وتهميشًا. فصاحبات الهويات الجنسية الجندرية غير النمطية، تتقاطع قضاياهم مع باقي النساء في المجتمع اللاتي يتعرضن فيه كل يوم لأشكال متعددة من العنف والتمييز، بغطاء من الأعراف والثقافة الاجتماعية، التي تعتبر النساء مخلوقات من الدرجة الثانية.
أما النساء المثليات، فهن في حقيقة الأمر داخل تلك المجتمعات، خارجات عن السياق وفق الأعراف المجتمعية، فهن بالنسبة للمجتمع، نساء غير مكتملات، لا يجب أبدًا أن يعشن في هذا المجتمع الصالح، الذي يصمم أدوارًا اجتماعية للجميع، ويري النساء مخلوقات من أجل إشباع وتلبية رغبات الرجال وتربية الأطفال والقيام بالخدمات المنزلية ورعاية الأسرة. فكيف يمكن أن يكون هناك نساء غير خاضعات للرجال ولرغباتهم؟، كيف يمكن أن تتجرأ إحداهن وتعلن أنها لا تحب ذكرًا ولا ترغب جنسيًا في ذكر؟ فهذا هو جرم عظيم لا يمكن قبوله بالأساس. فإنكار وجودهن وممارسة المزيد من العنف والاقصاء والتهميش هو خيار المجتمعات لمعاقبة النساء المثليات بشكل خاص، ومجتمع الميم عين بشكل عام.
هذا البروتوكول الذي لم يتم التوقيع على أوراقه في العلن، تم التوافق عليه بين المؤسسات الحكومية، والخاصة، والتنظيمات الأهلية، نقابات وأحزاب، والعديد من منظمات المجتمع المدني، التي تتجاهل حقوق مجتمع الميم عين، بشكل عام باعتبارهم جزء لا يتجزأ، من المواطنين والمواطنات، الذين لديهم حقوق، اقتصادية واجتماعية وسياسية، متساوية مع الجميع.
ويمكن هنا أن نتحدث، بشكل مباشر، عن وسائل الإعلام، ودورها في مناهضة التمييز، بكافة أشكاله. فوسائل الإعلام في كل عام، تتسابق خلال شهر مارس، من أجل الاحتفال بشهر المرأة وليس فقط بيوم المرأة العالمي. وبغض النظر عن المحتوى الإعلامي، الذي يتم تقديمه والذي مازال لم يصل إلى معايير المساواة ما بين الجنسين، يلعب دور أساسيًا في المزيد من العنف ضد النساء المثليات، تارة بالإقصاء وتارة بالتشويه.
المجتمعات ليست سلمية ولا ديمقراطية بدون المساواة ما بين الجنسين، شعار محدد وواضح ويختصر علينا طرق عديدة لتقييم الأداء الإعلامي، فلا يمكن لوسائل الإعلام المختلفة أن تكون نابضة بالحياة، إذا استمرت في دعم وتعزيز عدم المساواة.
في حقيقية الأمر، يستطيع الإعلام أن يلعب دورًا أساسيًا في كونه أداة للتحول الثقافي، ومناهضة الظلم الاجتماعي، وكسر المحظورات، والمطالبة والمساءلة من صناع القرار. لكن الأمر يتوقف على قدرة الإعلام في استيعاب أن المساواة ما بين الجنسين يجب أن تشمل كسر القوالب النمطية، وإدراك أوسع لسياقات النوع الاجتماعي، من أجل تفكيك وإعادة صياغة سياسات النوع الاجتماعي والقيم الأسرية، فنحن لسنا رجال تمامًا أو نساءً تمامًا، فالجنسانية طيف واسع من الهويات لا يمكن تنميطه أو قولبته.
النوع الاجتماعي والنهج الجنساني في الإعلام:
إن وضع معايير حقوق الإنسان، كنهج أساسي لتطوير وسائل الإعلام، والتي يمكن أن تستند على المعايير التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية، وأن يكون في صميم نهج الإعلام، مفهوم راسخ بأن عدم المساواة والتهميش يحرم الناس من حقوقهم الأصيلة، ويبقيهم في حالة فقر شبه دائم، هو في حقيقة الأمر غير كافٍ بأن يكون للإعلام دورًا محوريًا، في سد الفجوة ما بين الجنسين، دون وجهات نظر نسوية، تساهم في علاج العمي الجنساني داخل المجتمعات، وتسمح بنهج أكثر شمولاً لحقوق المواطنين وتمكينهم.
فالنسوية ببساطة، هي الإيمان والسعي لتحقيق المساواة في الحقوق والفرص، لجميع الناس، من جميع الأجناس.
تجسد النسوية إطاراً واقعياً، لتفسير الواقع الاجتماعي لعدم المساواة، والذي يتجلى بوضوح، في الأعراف والممارسات الاجتماعية، من خلال فهم، علاقات القوى في المجتمع.
وأهم ما يميز النسوية التقاطعية، هو تحليلها العميق بأن تقسيم المجتمع، بين رجال ونساء، لا يمكن أن يفسر كل علاقات القوى والتمييز. وأن كافة أشكال الاضطهاد في المجتمع متشابكة ومترابطة. فهناك روابط ما بين الاضطهاد الممارس ضد الإثنية، والعرق، والدين، واللغة، والطبقة، والعمر، التوجهات والهويات والميول الجنسية والجندرية المختلفة. فكل تلك الأشكال، شريك في عدم المساواة داخل المجتمعات. فالوصول إلى المساواة، يعني بالضرورة فهم التقاطع، ما بين أشكال التمييز والاضطهاد المتراكمة والمتداخلة فيما بينها، وتأثيرها الأكثر خطورة على مجموعات النساء المختلفة والمنتمية إلى كافة مجموعات الأقليات المتعددة. تلك المجموعات من النساء المستبعدة من إبراز أصواتهن، أو الحصول على تغطية إعلامية خالية من العنف والتحريض.
غياب المساواة والعنف في الإعلام:
هل نستطيع أن نقول بأن وسائل الإعلام المختلفة، هي بيئة آمنة للنساء؟
الإجابة القطعية لا. فمن النظرة الأولى لبيئة العمل في وسائل الإعلام المختلفة، نجدها بيئات غير آمنة على النساء. بداية من تعرض الصحفيات والإعلاميات للتحرش الجنسي أكثر من نظرائهن من الرجال، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، كالإهانة من المتابعين عبر استخدام صورهن أو التنمر على أجسادهن أو الرسائل التي تحمل معها تهديدات بالاعتداءات الجنسية أو التحرش الجنسي. وصولًا للإشاعات والأكاذيب حول حياتهن الشخصية أو العملية، ويزاد الأمر عنفًا بمباركة اجتماعية ضد النساء أصحاب الهويات والميول الجنسية المختلفة (مثليات وعابرات جنسيًا أو جندريًا) وخطابات الكراهية المعادية لهن؛ لتكتمل الدائر بغياب سياسات أو بروتوكولات داخل أماكن العمل، تحمينهن من التحرش والابتزاز والعنف الجنسي داخل المؤسسات المختلفة، وتضع معايير واضحة لأشكال العنف، وآليات الشكوى، وحماية المُبلغات من الأضرار والتهديدات وممارسات العنف، خاصةً إذا كان العنف واقع من رؤسائهن من الرجال.
هذا الوضع بالضرورة ينتج عنه غياب معايير تضمن المساواة في تغطية الأخبار الصحفية وإعداد التقارير والتحقيقات وغيرها من أشكال التغطية. فلا يوجد أي سياسات مهنية تضمن المساواة ما بين المصادر أو المساحة الممنوحة ما بين الرجال والنساء بأطيافهن المختلفة. حجم ونوعية الأخبار المتعلقة بالنساء خاصة التي تكون فيها المرأة عنصر أساسي من عناصر الخبر، ففي العادة تتصدر الأخبار المعادية للنساء أو التي تحمل خطابات كراهية أو تحريض على المستوى الاجتماعي ودعوات العقاب القانوني، عناوين الصحف والمواقع الإخبارية والتقارير المرئية. وتمنح مساحات أكبر من التغطية عن أي أخبار أو موضوعات يمكن أن تكون داعمة لحقوق النساء، وتصبح المواضيع الخاصة بحريتهن في التوجه والاختيار والتحكم بأجسادهن نادرة أو شبه منعدمة، وسط قيود قانونية صريحة أو غير صريحة تضع النساء وتوجهاتهن واختيارهن في مأزق معايير القيم الأخلاقية والفجور، والتي يتم فرضها دائمًا خاصة في مجتمعات الشرق الأوسط، من التيارات الفكرية والعقائدية المعادية للمساواة والتمكين ليس للنساء فقط، بل لجميع الفئات المهمشة والأقل تمثيلًا على المستوى الاجتماعي والسياسي وبالضرورة الاقتصادي .
تطوير الإعلام.. المساواة دليل الطريق:
نظرية التغيير والتطوير مرتبطة بالوصول إلى مجتمعات سلمية وديمقراطية ومستقرة، تتمتع بمؤسسات ذات هياكل خاضعة للمساءلة، وضمان استدامتها وتعزيزها، كجزء محوري منه، يأتي من خلال وسائل إعلام قوية وفعالة في بيئات تتمتع بحرية الرأي والتعبير، والوصول إلى المعلومات.
ولكي نصل لتلك المجتمعات الديمقراطية والسلمية، فنحن بالضرورة في حاجة إلى المساواة ما بين الجنسين، وضمان وصول كافة المجموعات المجتمعية المهمشة والمستبعدة، إلى حرية الراي والتعبير، والمعلومات المرتبطة بحقوقهم وتحقيق ذواتهم متساوية مع الجميع. ويعني هذا بالضرورة، وجود وسائل إعلام تساهم في خلق فضاء مدني نابض بالحياة، يعمل على تعزيز حقوق الإنسان، والمساواة ما بين الجنسين، والتغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي الإيجابي. ويعتمد في صميم استراتيجياته على المساواة وضمان وصول الفئات المستبعدة إلى التعبير عن أنفسهم، وتحسين جودة وشمولية المحتوى الإعلامي، بما يضمن الاهتمام بجميع القضايا ذات الصلة بجميع المجموعات المجتمعية المختلفة، على أن يتم تمثيلها بما يضمن وصول أصواتهم/ن والتمثيل الذاتي لهم/ن في وسائل الإعلام المختلفة. سواء على مستوى موضوعية الأخبار وانحيازها لجميع الناس، أو مشاركتهم كصحفيين وإعلامين في بيئة العمل الإعلامي، كما أنه ينبغي أن يحمل الخطاب الإعلامي، رؤية نقدية لمعوقات تحقيق السلام والأمن والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للناس وعلاقتها بغياب المساواة ما بين الجنسين وإقصاء وتهميش الأقليات. والعمل على التطوير التنظيمي الشامل، الذي يرعي النوع الاجتماعي والهويات والميول الجنسية والجندرية، ويسعى لتمكين الصحفيات والإعلاميات، ويصنع السياسات التي تساهم في سلامتهن النفسية والعقلية والجسدية من التيارات المعادية للمساواة والتمكين.
بالإضافة إلى السعي الدائم لخلق قنوات صلة قوية ومتينة بالمجتمع المدني، خاصة المعني بحقوق النساء والأقليات، ويقدم نموذج تثقيفيًا بالهويات المجتمعية والجنسية والجندرية المختلفة، وحقوقها على كافة المستويات، وأن يلعب الإعلام أدوارًا أساسية في دعم التشريعات المعنية بتمكين الفئات المهمشة، والاعتراف بالتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع، وإبراز النتائج الاجتماعية والاقتصادية والتأثيرات المعرقلة للسلام الاجتماعي والاستقرار والتقدم الذي تصنعه التشريعات المعادية للمساواة بين جميع المجموعات المختلفة والمتنوعة في المجتمعات.
أن تتبني وسائل الإعلام، نهج القيادة النسوية، والذي يعد نهج استراتيجي، للعدالة الاجتماعية وتحدي علاقات القوى والهياكل الاجتماعية المبنية على الأعراف، وتحويلها إلى بيئات مواتية لتمكين الأفراد المستبعدين والمهمشين، وأن يصبح للنساء دوراً محورياً في قيادة المؤسسات والنقابات الإعلامية والصحفية، وأن يكون تقاسم السلطة جزء من معايير الإدارة والانتخابات للجماعة الصحفية والإعلامية.